ثانوية البحيرة ايتزار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التسكع ما هو؟

اذهب الى الأسفل

التسكع ما هو؟ Empty التسكع ما هو؟

مُساهمة  nou3man الخميس ديسمبر 23, 2010 4:57 pm


في قديم الزمان، وبالتحديد في بلاد اليونان، تزعم الفيلسوف سقراط طائفة من الناس كانوا يتمشون في الشوارع جيئة وذهاباً، فاشتهروا في التاريخ باسم (المشائين)، وكان هؤلاء نفر من تلاميذ سقراط لم يجدوا مكاناً ليدرس لهم فيه سوى الشارع، فأصبحوا يتعاطون الفلسفة (على الماشي)!
ولو سرت اليوم في شوارع أي مدينة عربية كبرى، فسوف تطالعك أعداد كبيرة من الشباب من الجنسين يمشون على غير هدى، ويذرعون الشوارع بالساعات في جماعات صغيرة أو ثنائيات، وإذا كان (المشاؤون) القدامى أصحاب فكر وقضية، فإن المتسكعين الجدد مجرد (صحبة) فقط.. ومن الملفت أن هذه الظاهرة الجديدة لا وجود لها في العالم سوى في المجتمعات العربية، فمن المستحيل أن تشاهد الشباب الياباني مثلاً يتسكع في شوارع طوكيو، فهم الذين (يقصدون في مشيهم) بينما يتسكع شبابنا بلا هدف.
عندما تأملنا هؤلاء المتسكعين، لاحظنا أنهم يجمعون بين الثراء الفاحش والفقر المدقع.. وحينما تسألهم أين تتجهون؟ يجيبون (نقضي وقتاً طيباً) ولما صاحبناهم في قضاء هذا (الوقت الطيب)، لاحظنا أنهم يرتكبون أعمالاً وأفعالاً وأقوالاً أقل ما توصف به أنها غير حضارية، يعاكسون الفتيات وأحياناً الأسر، يعبثون بالمرافق العامة، ويسيئون للبيئة، بتدخين السجائر والشيشة، وامتد الاستهتار ببعضهم إلى تكسير اللوائح الإرشادية والعبث بالحدائق والمتنزهات فهم يكتبون على الجدران ألفاظاً نابية، معبرين عن مكنون أنفسهم بأسلوب يخدش حياء المجتمع.
التسكع على أرصفة الشوارع وعلى المقاهي، وأمام المحلات التجارية دون هدف الشراء ظاهرة جديدة تخص المجتمع العربي دون غيره من المجتمعات، لا فرق فيها بين أبناء الذوات والفقراء، أو حتى الشباب والفتيات، فالكل تتملكه أحياناً شهوة التسكع للاستمتاع أو الاحتماء بالزحام بسبب البطالة أو للقضاء على الفراغ الوقتي والنفسي، وما يصاحبهما من ملل واكتئاب.
والطريف أن التسكع أصبح له (أصول وقواعد) وإن كان الهدف النهائي لا شئ، وهى قواعد يعرفها المتسكعون وأهمها عدم تحديد خط سير معين، أو تحديد هدف محدد والمثير في الظاهرة هو اختلاف أذواق المتسكعين في الشوارع التي يسلكونها، فهناك أرصفة يعتبرها البعض الأفضل للسير بلا هدف في حين يتجنبها آخرون كأنها مقسمة إلى مناطق نفوذ! وأغلب المتسكعين من البسطاء الهاربين من أسعار الأماكن الفخمة وهم يشكلون أزواجاً من الشباب والبنات، وعلى سبيل المغامرة أقتربت من شابين وقلت لهما بلطف.
* أنا صحفية، وأود أن أتحدث معكما لدقائق؟ نظرا إلىّ بتوحش، وأعرضا عنى، متمتمين بألفاظ ساخرة ومستنكرة.
ابتلعت الكلمات في صمت شديد، وواصلت جولتي حتى وافق بعض الشباب من المتسكعين على الحديث معي.
سألتهم لماذا التسكع في الشوارع، وهناك نواد وكافتيريات يمكن الجلوس فيها؟
فردوا على سؤالي بسؤال: ولماذا تضخمون الألفاظ، وتكبرون المواضيع وتسمون (التنزه) تسكعاً؟، نحن نهرب من الإحباط ونقتل أوقات الفراغ حتى لا تقتلنا! ويلتقط (شاب) آخر أطراف الحديث ويتحدث بشئ من الصراحة قائلاً: التجول أو ما تسمونه (التسكع) له طعم خاص، ونكهة تختلف عن الكافتيريات والأماكن المغلقة، تصوري ممكن نمشى معاً عشرين كيلو دون أن نشعر بالوقت أونحس بالتعب.
واللافت للانتباه في هذه الظاهرة هو كثرة (الفتيات) المتسكعات اللائى يسرن في الشوارع بطريقة عشوائية مما يعرضهن للمعاكسة وربما الخطر، في جولة حرة قد تنتهي أحداثها بما لا يحمد عقباه بالاختطاف أو الاغتصاب أو ما شابه ذلك من الحوادث التي نقرؤها بالصحف والمجلات.
والغريب أن فلسفة التسكع عند هؤلاء الفتيات لم تكن لمجرد قتل الوقت إنما للهرب من أسئلة ملحة غريبة.
تقول ياسمين أحمد محمد (خريجة جامعة): أعتقد أن التجول في الشوارع أو الأسواق أو في الحدائق أو على الكورنيش مثلاً لا عيب فيه، ما دام لا يضر بالقيمة الأخلاقية في شئ، لذلك يمكن لأي فتاة تتجول كما يحلو لها، خاصة وأنها محاطة بكافة درجات الحماية في الشوارع، ولن ينتبه إليها أحد إلى أنها متسكعة، حتى ولو سارت في الشارع الواحد مائة مرة في فترة زمنية بسيطة، لأنها مجرد نقطة في شلال هادر من البشر، ثم إن المارة في الشوارع من المفترض أن يكونوا زبائن للمحلات المنتشرة في الشوارع.
وهنا سألت إحدى الفتيات: كيف تتعامل الفتاة (المتسكعة) عندما تتعرض للمعاكسة من الشباب؟
أجابت مروة أحمد خريجة آداب إسكندرية :هذا يرجع لشخصية كل فتاة، فهناك من تستمر في التسكع حتى يمل هذا الشاب من تلقاء نفسه، أو تلجأ للإبطاء في سيرها حتى يتجاوزها في السير، غير أن هذه الحيلة قد لا تجدي نفعاً إذا تظاهر الشاب بالفرجة على أحد الفاترينات، وهذا قد يدفع الفتاة إلى تعنيفه بعبارات حادة وينضم إليها بعض المارة، والمشكلة الكبرى هي أن يستمر الشاب خلفها دون أن تنتبه إليه، حتى تصل إلى شارع خال، فيسبها بأبشع الألفاظ، انتقاما منها!
خطة للتسكع!
من جانبها وضعت صوفيا إبراهيم أداب عين شمس: خطة للمتسكعات تحذرهن فيها من (التسكع) في الشوارع الهادئة، وتعتبر الشوارع شبه الخالية خطرا ممنوع الاقتراب منها، مؤكدة بأن التسكع له حدود يجب ألا تتعداها الفتاة، لأن الفكرة محاطة بالمخاطر التي قد لا تستطيع الفتاة مواجهتها لو وقع لها مكروه.
كما أن من القواعد المهمة الاحتشام في اللبس حتى لا تلفت الفتاة أنظار الشباب، وعدم الخروج بمفردها، وتبتعد قدر الإمكان عن المقاهي والأماكن المزدحمة بالشباب.
وعلى كل فالتسكع ضرورة بالنسبة لنا كفتيات للتنفيس عن الكبت النفسي من سلطة الأسرة التقليدية والشقق الضيقة خاصة في الصيف، وماذا نفعل خاصة أننا لم نحصل على فرصة عمل حتى الآن وكيف نقضي الوقت، وكيف نرفه عن أنفسنا؟ طاقات مهدرة ..
وحتى تتضح أبعاد الأسئلة الملحة عن انتشار ظاهرة التسكع في مجتمعنا العربي كان لابد من تحليل الظاهرة علمياً بمعرفة أساتذة علم النفس والاجتماع.
الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم النفس بكلية التربية، جامعة عين شمس، ترى أن الظاهرة رغم كونها مادة ثرية للدراسة ومفروضة بشكل كبير بواقعنا الاجتماعي، إلا أن أنظار الباحثين مازالت معصوبة العينين عنها، لأن الظاهرة جديدة نسبياً، لأنها ارتبطت بالفراغ الذي يعانى منه الشباب المتعطل، فضلاً عن الانفجار السكاني لتصبح سلوكاً ذا أيديولوجيا تختلف عن بقية السلوكيات الأخرى، ولعلها من أكثر المفردات قدرة على تحليل الحالة الاجتماعية للمجتمع ذاته، فالسير بلا هدف ليس مجرد خطوات يخطوها الإنسان، وينتهي الأمر بذلك، ولكن هناك رغبات مكبوتة خلف هذه الخطوات البطيئة تظهر على حركات وتعبيرات الجسد كله أثناء المشي، فلو نظرت إلى مجموعة من المتسكعين ستجدهم يحاولون التفريغ عن أنفسهم بأي طريقة كانت، وهم يبحثون عن الحرية المفقودة في بيوتهم، كما أنهم يبحثون عن صداقات جديدة وما إلى ذلك من أهداف مشروعة أو غير مشروعة.
رياضة بدنية ونفسية
وتضيف الدكتورة سامية خضر: ورغم نفع التسكع في كونه رياضة بدنية ونفسية فإن له أضراراً جسيمة، منها قتل الوقت لدى الشباب و إهدار الموارد البشرية التي بإمكانها أن تخرجنا من أزمتنا الاقتصادية في بلادنا العربية، وكما انه يساعد على التبلد الذهني والهروب من مواجهة المشكلات بالسير بلا هدف، والخطورة أكبر بالنسبة لتسكع الفتيات، وذلك ليس لكونها أنثى إنما من منطق التعود على الهروب من مشاكلها إلى الشارع وليس إلى أحضان البيت والمرأة الهروبية تعيش حياتها دون القدرة على مواجهة مشاكل الحياة وبالتالي عدم القدرة على تنشئة جيل قادر على تحمل المسئولية في المستقبل.
تحايل على الواقع
وفي سياق مغاير تختلف الدكتورة ليلى عبد المنعم، أستاذة علم الاجتماع، بجامعة المنصورة عن الرأي السابق قائلة: إن التحايل على الواقع هو الدافع للتسكع، فغلو الأسعار، والأوضاع السيئة التي يعيشها المجتمع العربي تدفع بالناس للبحث عن كل ما هو رخيص، خاصة بعد أن تحولت الأرصفة إلى (سوبر ماركت) ضخمة تضم كل البضائع على اختلاف أنواعها، ولكل بضاعة مكان خاص بها والشعار الدائم هو (أرخص الأسعار).
ومن هنا قد يكون التسكع في الشوارع للبحث عن المناسب من البضائع، ربما لا يفكرون في شرائها إلا عند رؤيتها، وبما أن الفتيات هن الأكثر بحثاً وتنقيباً عن احتياجاتهن التي لا تنتهي، تجدهن الأكثر في التسكع أمام المحلات، أحياناً بلا هدف محدد، ولكن للبحث عن شيء ما..
أما الشباب فلديهم طاقة زائدة لابد من تفريغها في المشي، ونظراً لعدم انتشار النوادي والساحات وارتفاع أسعار الاشتراكات فيها فلا يجدون للشوارع بديلاً.
وتضيف د. ليلى: بالطبع هذا لا يمنع أن هناك متسكعين ومتسكعات يهيمون في كل مكان بلا هدف، أو لما يسمى بالاستهلاك البصري فقط، سواء بالنظر إلى مشاهد الشارع المتتابعة أو الفاترينات العامرة بالبضاعة أو حتى على ملامح الوجوه، وهذا له تأثير نفسي سيئ على المتسكع، لأنه قد ينقلب لنزعة تمردية تكون عواقبها وخيمة، نتيجة النظر لما في يد الغير.. أما إذا كان المتسكع شخصا سويا، قانعا غير متطلع، فإن التسكع قد يفيده جسدياً ونفسياً لأنه يساعد على تفريغ الطاقة البشرية الزائدة.
ضائعون والله أعلم!
أما الدكتورة نجوى حافظ أستاذة علم الاجتماع بجامعة القاهرة: تشير إلى أن غياب الحركة الثقافية والفكرية في المجتمع العربي ربما كان سبباً رئيسياً لانتشار التسكع بين الشباب وهو دليل على الغياب الذهني الوجداني وعدم القدرة على استثمار الوقت فيما يفيد، فضلاً عن كونه تعبيراً مادياً عن الضياع المعنوي!
تضيف د. نجوى: وإن كنت أرى أن خطورة التسكع تعود بشكل أكبر لغياب دفء الحوار البناء الذي انقطعت أواصره في الأسرة العربية، مما جعل الشباب من الجنسين يلجأ للغة حوار الشوارع والأرصفة، ربما يجدون ذواتهم المفقودة في التسكع والبحث عن كل ما هو مثير ونافع في نظرهم.
والتسكع أو عدم تحديد هدف هو نتيجة طبيعية لتحطم معنويات الشباب، خاصة والفتيات اللاتي تحتاج لرعاية اكبر.
ويختلف الأديب د.كمال يونس مع الآراء السابقة مؤكدا:ً أن التسكع ربما يساهم في خلق إنسان له كيان علمي أو أدبي في المستقبل، ولنا في الروائي الفرنسي العالمي بلزاك ويحيى حقي ونجيب محفوظ وغيرهم من هواة التسكع أكبر دليل، حيث استطاع التجول أن يصنع منهم أدباء قادرين على خلق الشخصيات في نسيج روائي ممتع، وعموماً فإن للتسكع فوائده وأضراره، والمتسكع وحده الذي يمكن أن يحدد حصاده.
وعلى جانب آخر يشير علي فهمي خبير علم الاجتماع إلى خطورة هذه الظاهرة، مؤكداً أن 'اللاهدف' يمكن أن يدفع الشباب للبحث عن أي شئ، وفعل أي شيء، وهذه الفئة هي المعمل الذي ينتج الألفاظ المستجدة على مجتمعنا، الذي يفرخ الإدمان والانحراف، ولقد وقعت العديد من الحوادث في الأسواق والأماكن المزدحمة نتيجة التجمعات الشبابية التي تثير الشغب في هذه الأماكن جهاراً ونهارا،ً والتسكع في المقاهي والأسواق تجعل الشاب وخاصة المراهقين عرضة للتأثر بكل ما يرى ويسمع بعيداً عن أعين الأهل ورقابة المجتمع.
والحل من وجهة نظر علي فهمي هو: توعية أولياء الأمور بخطورة اللامبالاة التي يقابلون بها تصرفات الأبناء، ثم يقع العبء الأكبر على وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة التي يجب أن توجه الشباب إلى الأندية الثقافية والرياضية والاجتماعية المنتشرة في معظم المجتمعات العربية والاهتمام بهذه الأندية ودعمها وتنميتها، وبوعى القائمين عليها يمكن أن تكون أنجح الوسائل لتجميع هؤلاء الشباب واستثمار وقتهم وتنمية مهاراتهم ليعملوا عملاً نافعاً يفيدون به أنفسهم ومجتمعهم في نهاية المطاف.

nou3man
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى